سورة الأحزاب - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحزاب)


        


{وَمَنْ يَقْنُتْ} يطع، {مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} قرأ يعقوب: {من تأت منكن}، {وتقنت} بالتاء فيهما، وقرأ العامة بالياء لأن مَنْ أداةٌ تقوم مقام الإسم يعبر به عن الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، {وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} أي: مثلي أجر غيرها، قال مقاتل: مكان كل حسنة عشرين حسنة. وقرأ حمزة والكسائي: {يعمل}، {يؤتها} بالياء فيهما نسقًا على قوله: {ومن يأت}، {ويقنت} وقرأ الآخرون بالتاء، {وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا} حسنًا يعني الجنة. {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} قال ابن عباس: يريد ليس قَدْرُكنّ عندي مثل قدر غيركنّ من النساء الصالحات، أنتن أكرم عليَّ، وثوابُكنّ أعظمُ لديَّ، ولم يقل: كواحدة، لأن الأحد عام يصلح للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث، قال الله تعالى: {لا نفرق بين أحد من رسله} [البقرة – 285]، وقال: {فما منكم من أحد عنه حاجزين} [الحاقة- 47].
{إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} الله فأطعتُنَّه، {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} لا تَلِنَّ بالقول للرجال ولا ترققن الكلام، {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} أي: فجور وشهوة، وقيل نفاق، والمعنى: لا تقلن قولا يجد منافق أو فاجر به سبيلا إلى الطمع فيكنّ. والمرأة مندوبة إلى الغلظة في المقالة إذا خاطبت الأجانب لقطع الأطماع.
{وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا} لوجه الدين والإسلام بتصريح وبيان من غير خضوع.


{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} قرأ أهل المدينة وعاصم: {وقَرن} بفتح القاف، وقرأ الآخرون بكسرها، فمن فتح القاف فمعناه، اقررن أي: الزمن بيوتَكُن من قولهم: قررت بالمكان أقرُّ قرارًا، يقال: قررت أقر وقررت أقر، وهما لغتان، فحذفت الراء الأولى التي هي عين الفعل لثقل التضعيف ونقلت حركتها إلى القاف كقولهم: في ظللت ظلت، قال الله تعالى: {فظلتم تفكهون} [الواقعة- 65]، {وظلت عليه عاكفا} [طه- 97].
ومن كسر القاف فقد قيل: هو من قررت أقر، معناه اقررن- بكسر الراء- فحذفت الأولى ونقلت حركتها إلى القاف كما ذكرنا وقيل:- وهو الأصح- أنه أمر من الوقار، كقولهم من الوعد: عدن، ومن الوصل: صلن، أي: كُنَّ أهل وقار وسكون، من قولهم وقر فلان يقر وقورًا إذا سكن واطمأن.
{وَلا تَبَرَّجْنَ} قال مجاهد وقتادة: التبرج هو التكسر والتغنج، وقال ابن أبي نجيح: هو التبختر. وقيل: هو إظهار الزينة وإبراز المحاسن للرجال، {تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى} اختلفوا في الجاهلية الأولى. قال الشعبي: هي ما بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو العالية: هي في زمن داود وسليمان عليهما السلام، كانت المرأة تلبس قميصًا من الدر غير مخيط من الجانبين فيُرى خلقها فيه.
وقال الكلبي: كان ذلك في زمن نمرود الجبار، كانت المرأة تتخذ الدرع من اللؤلؤ فتلبسه وتمشي وسط الطريق ليس عليها شيء غيره وتعرض نفسها على الرجال. وروى عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: الجاهلية الأولى فيما بين نوح وإدريس، وكانت ألف سنة، وأن بطنين من ولد آدم كان أحدهما يسكن السهل والآخر يسكن الجبل، وكان رجال الجبل صِبَاحًا وفي النساء دمامة، وكان نساء السهل صِباحًا وفي الرجال دمامة، وأن إبليس أتى رجلا من أهل السهل وأجَّر نفسه منه، فكان يخدمه واتخذ شيئًا مثل الذي يزمر به الرعاء فجاء بصوت لم يسمع الناس مثله، فبلغ ذلك من حولهم فانتابوهم يستمعون إليه، واتخذوا عيدًا يجتمعون إليه في السنة، فتتبرج النساء للرجال ويتزين الرجال لهن، وإن رجلا من أهل الجبل هجم عليهم في عيدهم ذلك فرأى النساء وصِباحتهن فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك فتحولوا إليهم فنزلوا معهم فظهرت الفاحشة فيهم، فذلك قوله تعالى: {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}.
وقال قتادة: هي ما قبل الإسلام.
وقيل: الجاهلية الأولى: ما ذكرنا، والجاهلية الأخرى: قوم يفعلون مثل فعلهم في آخر الزمان.
وقيل: قد تذكر الأولى وإن لم يكن لها أخرى، كقوله تعالى: {وأنه أهلك عادا الأولى} [النجم- 50]، ولم يكن لها أخرى.
قوله عز وجل: {وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} أراد بالرجس: الإثم الذي نهى الله النساء عنه، قاله مقاتل. وقال ابن عباس: يعني: عمل الشيطان وما ليس لله فيه رضى، وقال قتادة: يعني: السوء. وقال مجاهد: الرجس الشك.
وأراد بأهل البيت: نساء النبي صلى الله عليه وسلم لأنهن في بيته، وهو رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس، وتلا قوله: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ}، وهو قول عكرمة ومقاتل.
وذهب أبو سعيد الخدري، وجماعة من التابعين، منهم مجاهد، وقتادة، وغيرهما: إلى أنهم عليّ وفاطمة والحسن والحسين.
حدثنا أبو الفضل زياد بن محمد الحنفي، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن محمد الأنصاري، أخبرنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعدي، أخبرنا أبو همام الوليد بن شجاع، أخبرنا يحيى بن زكريا بن زائدة، أخبرنا أبي عن مصعب بن شيبة، عن صفية بنت شيبة الحجبية، عن عائشة أم المؤمنين قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود، فجلس فأتت فاطمة فأدخلها فيه ثم جاء عليّ فأدخله فيه ثم جاء حسن فأدخله فيه، ثم جاء حسين فأدخله فيه، ثم قال: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}.
أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد الحميدي، أخبرنا عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا الحسن بن مكرم، أخبرنا عثمان بن عمر، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن شريك بن أبي نمر، عن عطاء بن يسار، عن أم سلمة قالت: في بيتي أنزلت: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} قالت: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فاطمة وعلي والحسن والحسين، فقال: «هؤلاء أهل بيتي»، قالت: فقلت يا رسول الله أَمَا أنا من أهل البيت؟ قال: «بلى إن شاء الله».
قال زيد بن أرقم: أهل بيته مَنْ حَرُمَ الصدقة عليه بعده، آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس.


قوله عز وجل: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ} يعني: القرآن، {وَالْحِكْمَةِ} قال قتادة: يعني السنة وقال مقاتل: أحكام القرآن ومواعظه. {إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} أي: لطيفًا بأوليائه خبيرًا بجميع خلقه. قوله عز وجل: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} الآية. وذلك أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قلن: يا رسول الله ذكر الله الرجال في القرآن ولم يذكر النساء بخير، فما فينا خير نذكر به، إنا نخاف أن لا يقبل الله منّا طاعةً، فأنزل الله هذه الآية.
قال مقاتل: قالت أم سلمة بنت أبي أمية ونيسة بنت كعب الأنصارية للنبي صلى الله عليه وسلم: ما بال ربّنا يذكر الرجال ولا يذكر النساء في شيء من كتابه، نخشى أن لا يكون فيهن خير؟ فنزلت هذه الآية.
وروي أن أسماء بنت عميس رجعت من الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب فدخلت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: هل نزل فينا شيء من القرآن؟ قلن: لا. فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن النساء لفي خيبة وخسار، قال: ومِمَّ ذاك؟ قالت: لأنهنّ لا يذكرن بخير كما يذكر الرجال، فأنزل الله هذه الآية: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ} المطيعين {وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ} في ايمانهم وفيما ساءهم وسرهم، {وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ} على ما أمر الله به، {وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ} المتواضعين، {وَالْخَاشِعَاتِ} وقيل: أراد به الخشوع في الصلاة، ومن الخشوع أن لا يلتفت، {وَالْمُتَصَدِّقِينَ} ممّا رزقهم الله، {وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ} عمّا لا يحل، {وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} قال مجاهد: لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيرًا حتى يذكر الله قائمًا وقاعدًا ومضطجعًا.
وروينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قد سبق المفردون»، قالوا: وما المفرِّدون يا رسول الله؟ قال: «الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات».
قال عطاء بن أبي رباح: من فوض أمره إلى الله عز وجل فهو داخل في قوله: {إن المسلمين والمسلمات}، ومن أقر بأن الله ربُّه ومحمدًا رسولُه، ولم يخالف قلبه لسانه، فهو داخل في قوله: {والمؤمنين والمؤمنات}، ومن أطاع الله في الفرض، والرسول في السنة: فهو داخل في قوله: {والقانتين والقانتات} ومن صان قوله عن الكذب فهو داخل في قوله: {والصادقين والصادقات}، ومن صبر على الطاعة، وعن المعصية، وعلى الرزية: فهو داخل في قوله: {والصابرين والصابرات}، ومن صلى ولم يعرف من عن يمينه وعن يساره فهو داخل في قوله: {والخاشعين والخاشعات}، ومن تصدق في كل أسبوع بدرهم فهو داخل في قوله: {والمتصدقين والمتصدقات}، ومن صام في كل شهر أيام البيض: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، فهو داخل في قوله: {والصائمين والصائمات}، ومن حفظ فرجه عما لا يحل فهو داخل في قوله: {والحافظين فروجهم والحافظات}، ومن صلى الصلوات الخمس بحقوقها فهو داخل في قوله: {والذاكرين الله كثيرا والذاكرات}. {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9